سورة فاطر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يجوز في {فاطِرِ} ثلاثة أوجه: الخفض على النعت، والرفع على إضمار مبتدأ، والنصب على المدح.
وحكى سيبويه: الحمد لله أهل الحمد مثله وكذا {جاعِلِ الْمَلائِكَةِ}. والفاطر: الخالق. وقد مضى في يوسف وغيرها. والفطر. الشق عن الشيء، يقال: فطرته فانفطر. ومنه: فطر ناب البعير طلع، فهو بعير فاطر. وتفطر الشيء تشقق. وسيف فطار، أي فيه تشقق. قال عنترة:
وسيفي كالعقيقة فهو كمعي *** سلاحي لا أفل ولا فطارا
والفطر: الابتداء والاختراع. قال ابن عباس: كنت لا أدري ما {فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتها. والفطر. حلب الناقة بالسبابة والإبهام. والمراد بذكر السماوات والأرض العالم كله، ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة. {جاعِلِ الْمَلائِكَةِ} لا يجوز فيه التنوين، لأنه لما مضى. {رُسُلًا} مفعول ثان، ويقال على إضمار فعل، لان فاعلا إذا كان لما مضى لم يعمل فيه شيئا، وإعماله على أنه مستقبل حذف التنوين منه تخفيفا. وقرأ الضحاك {الحمد لله فطر السماوات والأرض} على الفصل الماضي. {جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا} الرسل منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، صلى الله عليهم أجمعين. وقرأ الحسن: {جاعل الملائكة} بالرفع. وقرأ خليد بن نشيط {جعل الملائكة} وكله ظاهر. {أُولِي أَجْنِحَةٍ} نعت، أي أصحاب أجنحة. {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} أي اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة. قال قتادة: بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة، ينزلون بهما من السماء إلى الأرض، ويعرجون من الأرض إلى السماء، وهي مسيرة كذا في وقت واحد، أي جعلهم رسلا. قال يحيى بن سلام: إلى الأنبياء.
وقال السدي: إلى العباد برحمة أو نقمة.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح. وعن الزهري أن جبريل عليه السلام قال له: «يا محمد، لو رأيت إسرافيل إن له لاثني عشر ألف جناح منها جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وإن العرش لعلى كاهله وإنه في الأحايين ليتضاءل لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع والوصع عصفور صغير حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته». و{أولو} اسم جمع لذو، كما أن هؤلاء اسم جمع لذا، ونظيرهما في المتمكنة: المخاض والخلفة. وقد مضى الكلام في {مثنى وثلاث ورباع} في {النساء} وأنه غير منصرف. {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ} أي في خلق الملائكة، في قول أكثر المفسرين، ذكره المهدوي.
وقال الحسن: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ} أي في أجنحة الملائكة ما يشاء.
وقال الزهري وابن جريج: يعني حسن الصوت. وقد مضى القول فيه في مقدمة الكتاب.
وقال الهيثم الفارسي: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي، فقال: «أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيرا».
وقال قتادة: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ} الملاحة في العينين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم.
وقيل: الخط الحسن.
وقال مهاجر الكلاعي قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الخط الحسن يزيد الكلام وضوحا».
وقيل: الوجه الحسن. وقيل في الخبر في هذه الآية: هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن، ذكره القشيري. النقاش: هو الشعر الجعد.
وقيل: العقل والتمييز.
وقيل: العلوم والصنائع. {إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من النقصان والزيادة. الزمخشري: والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق، من طول قامة، واعتدال صورة، وتمام في الأعضاء، وقوه في البطش، وحصافة في العقل، وجزالة في الرأي، وجرأة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان، ولباقة في التكلم، وحسن تأت في مزاولة الأمور، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به وصف.


{ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}
وأجاز النحويون في غير القرآن {فلا ممسك له} على لفظ {ما} و{لَها} على المعنى. وأجازوا {وما يمسك فلا مرسل لها} وأجازوا {ما يفتح الله للناس من رحمة} بالرفع تكون {ما} بمعنى الذي. أي إن الرسل بعثوا رحمة للناس فلا يقدر على إرسالهم غير الله.
وقيل: ما يأتيهم به الله من مطر أو رزق فلا يقدر أحد أن يمسكه، وما يمسك من ذلك فلا يقد أحد على أن يرسله.
وقيل: هو الدعاء: قاله الضحاك. ابن عباس: من توبة.
وقيل: من توفيق وهداية. قلت: ولفظ الرحمة يجمع ذلك إذ هي منكرة للاشاعة والإبهام، فهي متناولة لكل رحمة على البدل، فهو عام في جميع ما ذكر.
وفي موطأ مالك: أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس: مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو هذه الآية {ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها}. {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقدم.


{يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)}
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} معنى هذا الذكر الشكر. {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} يجوز في {غَيْرُ} الرفع والنصب والخفض، فالرفع من وجهين: أحدهما: بمعنى هل من خالق إلا الله، بمعنى ما خالق إلا الله. والوجه الثاني: أن يكون نعتا على الموضع، لان المعنى: هل خالق غير الله، و{مِنْ} زائدة. والنصب على الاستثناء.
والخفض، على اللفظ. قال حميد الطويل: قلت للحسن: من خلق الشر؟ فقال سبحان الله! هل من خالق غير الله عز وجل، خلق الخير والشر. وقرأ حمزة والكسائي: {هل من خالق غير الله} بالخفض. الباقون بالرفع. أي المطر. أي النبات. من الافك بالفتح وهو الصرف، يقال: ما افكك عن كذا، أي ما صرفك عنه.
وقيل: من الافك بالكسر وهو الكذب، ويرجع هذا أيضا إلى ما تقدم، لأنه قول مصروف عن الصدق والصواب، أي من أين يقع لكم التكذيب بتوحيد الله. والآية حجة على القدرية لأنه نفى خالقا غير الله وهم يثبتون معه خالقين، على ما تقدم في غير موضع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8